الروم أكثر الناس فهم جديد

أضيف بتاريخ 06/02/2024
bashar.shamsaldeen


هذا جزء مما كتبته قبل 12 عام عن حديث تقوم الساعة والروم أكثر الناس ، وهو موجود بالمدونة بأكمله لكن سأقتصر هنا على هذا الجزء وأكمل فهمي الجديد له .
 -    عن مُوسَى بْنُ عُلَيٍّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ :  قَالَ الْمُسْتَوْرِدُ الْقُرَشِيُّ عِنْدَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ  يَقُولُ :  تَقُومُ السَّاعَةُ وَالرُّومُ أَكْثَرُ النَّاسِ  فَقَالَ لَهُ عَمْرٌو رضي الله عنهما : أَبْصِرْ مَا تَقُولُ ! قَالَ : أَقُولُ مَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ  . قَالَ : لَئِنْ قُلْتَ ذَلِكَ إِنَّ فِيهِمْ لَخِصَالًا أَرْبَعًا إِنَّهُمْ لَأَحْلَمُ النَّاسِ عِنْدَ فِتْنَةٍ ، وَأَسْرَعُهُمْ إِفَاقَةً بَعْدَ مُصِيبَةٍ وَأَوْشَكُهُمْ كَرَّةً بَعْدَ فَرَّةٍ ، وَخَيْرُهُمْ لِمِسْكِينٍ وَيَتِيمٍ وَضَعِيفٍ،وَخَامِسَةٌ حَسَنَةٌ جَمِيلَةٌ وَأَمْنَعُهُمْ مِنْ ظُلْمِ الْمُلُوكِ. «( ) 
شرح :
-     هذا الحديث فيه إشارة واضحة على أن الروم هم ملوك الأرض والمتنفذون بالقرار حين قيام الساعة ، وهذا معنى قول الرسول  الروم أكثر الناس ، فالأكثرية هنا يراد بها نفوذ القرار وسطوة الحكم ، ويعزز هذا الفهم توصيف عبدالله بن عمرو وتصوراته لطبيعة الروم في ذلك الزمان ، وهذا التوصيف يرشد إلى أنه فهم من كلام النبي  أنه يراد به الملك والنفوذ ،  والغريب أن هذا الحديث الوحيد في ظني الذي صُدّر بقول النبي   » تقوم « ، ولم يتصدر بصيغة » لا تقوم « ، وقد ظننت في بادئ الأمر أن ذلك قد يكون خطأً من بعض الرواة فتتبعت كل رواياته فوجدتها بنفس هذا التصدير ، ولولا هذه الصيغة الجديدة لاعتبرت أن هذا الحديث من العلامات التي وقعت في زماننا ؛ خاصة أن الأوصاف الخمسة التي ذكرها ابن عمرو رضي الله عنهما للروم لينالوا الصدارة في الحكم والملك موجودة في الروم في عصرنا ؛ وكذلك كونهم أكثر الناس من حيث حكم الأرض والتأثير في مصيرها أمر ملاحظ معلوم في زماننا   .
لكن صيغة الحديث مانعة من إسقاط المراد به على عصرنا هذا ؛ لأن دلالتها تشير إلى قيام الساعة حقاً وحال الروم أنهم أكثر الناس مما يشير إلى أن للروم جولات أخرى بعد العالمية الثانية للإسلام ، وبعد دك حصونهم في القسطنطينية وروما آخر الزمان ، ولعل هذه الجولات تفسر لنا وصف النبي  للروم بأنها ذات القرون ... انتهى من كتاب الموسوعة .
يلحظ مما سبق أنني اعتبرت أن صيغة الحديث مانعة من إسقاط الحديث على عصرنا هذا ، وكلامي صحيح إذا كان فهمنا للساعة وقيامها هو الفهم التقليدي المعهود والمتصور ... لكن وفق فهمي الجديد واجتهاداتي الأخيرة والتي انبنت على فهم شمولي للعلامات والمصطلحات الخاصة بعلامات الساعة ، أقول وفق فهمي الجديد ... قد يكون المقصود بالدرجة الأولى بهذه العلامة هو عصرنا الحالي ن وليس لحظة قيام الساعة وفق الفهم التقليدي ... لأن الساعة تقوم على شرار الخلق ... وهذا الحديث أشار إلى نوع تمكين سلطان مبني على مواصفات لا يمكن تصورها من جميع الوجوه في شرار الخلق كما سيحصل في لحظة قيام الساعة ..... لكن ما هو سر هذا الحديث ... ولماذا استخدم النبي عليه السلام صيغة ( تقوم الساعة ) هذه الصيغة الموهمة أن الحدث مرتبط صريحاً بلحظة قيام الساعة ...
أقول : هذا الحديث فتح أمامي باباً عظيماً من الدلالات لو أردت ملاحقتها بطريقة علمية موضوعية أحتاج لمجلد بأكمله ... والظروف الخاصة حالياً تحول دون الاستمرار في الكتابة بشكل استقصائي ... لكن في نفس الوقت لن أحرم قرائي من بعض الإشارات المهمة التي فهمتها من الحديث الذي بحق يرشد إلى مدى دقة النبي عليه السلام وحكمته في اختيار الألفاظ في موطنها الذي يرشد عندما تنكشف الأحداث على دلائل متكررة تدل على نبوته عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم ...
هذا الحديث يكمل منهجاً أرشد إليه القرآن الكريم في كثير من النصوص .. لكن الكثيرين لم ينتبهوا لدلالات الآيات .. ولكي يتضح الأمر الآن سأحاول ترتيب الأفكار لكي يتضح الأمر ...
1-            المتتبع للقرآن الكريم يجد أنه يشير في كثير من الآيات إلى لحظة وقوع الساعة ( تكوير الشمس ، انفطار السماء ، انتتثار الكواكب .. إلخ ) هذه هي البطشة الكبرى التي ذكرها القرآن الكريم في سورة الدخان ... وهذه العلامات هي علامات الفناء الكامل ثم بعد ذلك الحساب .
2-            لكن هناك إشارات في القرآن الكريم جاءت في سور معينة تشير إلى حدث عظيم هو من الساعة ويشعر أيضاً بأن الدنيا انتهت بأهلها .. لكن هذا لا يعني لحظة القيام ... من هذه الإشارات ( الآزفة ) والآزفة معناها القريبة ، المفسرون أسقطوها  على الساعة نفسها باعتبارها أمر قريب .. لكن كلمة قريبة تشير إلى حدث آخر متعلق بها هو أبعد منها ... فالقريبة هنا التي هي من الساعة أمكن تسميتها القيامة الصغرى والبطشة الكبرى هي القيامة الكبرى والملاحظ أن الآية التي تتحدث عن الأزفة هي في سورة النجم ، وهذه السورة بالذات ترشد إلى نزول نيزك أو كوكيب المعبر عنه بالنجم للمعانه ( والنجم إذا هوى ) فذكرها في هذه السورة بالذات له دلالاته الخاصة .
3-            المتتبع للعلامات الكبرى جاءت السنة للإشارة إلى أنها تتابع بسرعة مؤذنة بنهاية العالم وهي كعقد انفرط ... عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو  رضي الله عنهما   قَالَ :  قَالَ رَسُولُ   :  ( الْآيَاتُ خَرَزَاتٌ مَنْظُومَاتٌ فِي سِلْكٍ فَإِنْ يُقْطَعْ السِّلْكُ يَتْبَعْ بَعْضُهَا بَعْضًا   ) فوقوع أول آية في العلامات الكبرى معناه أن الساعة قد قامت وأن هذه الآيات ستكون إشارة إلى النهاية التي تبدأ بالبطشة الكبرى ... طبعاً قد يستشكل الفهم عند البعض ويقول كيف أن الساعة تقوم مع بداية العلامات الكبرى . أقول له وكيف ان النبي عليه السلام وبعثته كانت في نفس الساعة وكادت الساعة تسبقه وبيننا وبين النبي 15 قرناً من الزمان وكيف تفسر قول النبي عليه السلام } بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةُ كَهَـذِهِ مِنْ هَذِهِ وَإِنْ كَادَتْ لَتَسْبِقُنِي. { ([1]) فإذا كادت الساعة تسبق النبي عليه السلام قبل خمسة عشر قرناً ... إذا ببداية العلامات العشر تكون الساعة قد قامت وهي المرحلة التي لا ينفع نفس إيمانها لم تكن آمنت من قبل ... إنها مرحلة حصاد  وهذا باب واسع يحتاج استقصاء لكن هنا إشارات سريعة .
4-            القرآن الكريم مليء بالإشارات الدالة على وقوع حدث عظيم هو بداية لقيام الساعة .. والمجال هنا لا يتسع للاستقصاء ... لكن سأدخل مباشرة على الآية التي تتحدث عن الساعة كمرحلتين يقول الله سبحانه وتعالى : (فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاء بِدُخَانٍ مُّبِينٍ{10} يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ{11} رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ{12} أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءهُمْ رَسُولٌ مُّبِينٌ{13} ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَّجْنُونٌ{14} إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عَائِدُونَ{15} يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنتَقِمُونَ{16} الدخان .. الآيات السابقة تتحدث عن حدثين بينهما وقت قليل : الأول هو آية الدخان .. وهي العذاب الأليم الذي يغشى الناس .. اما الثانية فهي بعدها بقليل وهي البطشة الكبرى وهي لحظة انهيار الكون  . وجاءت الآيات بين الحدثين لتبين ( إنا كاشفو العذاب قليلاً ) فبآية الدخان تكون الساعة قد قامت لكن البشرية لم تنته  ، بل معها القليل ثم تكون البطشة الكبرى .... وآية الدخان قد تكون هي أمر الله الذي أشارت له عدة أحاديث ، وهو المراد بقوله تعالى ( اتى أمر الله فلا تستعجلوه ) النحل وهي المقصودة في نفس السورة التي تتحدث عن عظمة المكر البشري ونسيان الله من الحسابات وعظمة التدبير الإلهي المحيط به  وفيها {هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللّهُ وَلـكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ }النحل33 ... أما توقيت الحدث فقد أشارت له سورة الإنذار الأولى المدثر كَلَّا وَالْقَمَرِ{32} وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ{33} وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ{34} إِنَّهَا لَإِحْدَى الْكُبَرِ{35} نَذِيراً لِّلْبَشَرِ{36} لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ{37} قد حمل بعض المفسرين إحدى الكبر هنا على سقر .. لكن ملاحقة الآيات والتوقيت فيها يشير إلى  أن المقصود بها إحدى الكبر بين يدي الساعة وتوقيتها بالنسبة لنا سيكون عندما يدبر الليل ويسفر الصبح مما يشير إلى أنها ستكون بعد الفجر ومع إسفار الصبح . وقد بدأ الحدث بالقسم بالقمر الذي ارتبط بقيام الساعة في سورة أخرى وفيه إشارة إلى أن ( إحدى الكبر ) هنا متعلقة بجرم سماوي وحدث من السماء وهو أمر ربك في سورة النحل .
5-            نرجع للحديث تقوم الساعة والروم أكثر الناس ... هذا الحديث يشير إلى آية الدخان والتي ستكون الأعظم في تأثيرها على كل الأرض وهذا الحدث سيكون في الأرض والروم هم أصحاب القرار في الأرض والمتحكمون فيها .. وهذا يتفق مع المرحلة التي نعيشها الآن ... أما كونها ساعة فلآنها ستكون آية عظمى تتأثر بها كل الأرض .. بل أكثر البشرية .. بل قد يكون تأثيرها على الإنسان أكبر بكثير من تأثير البطشة الكبرى . ... هذا الموضوع تناولته على عجالة ... أما التفصيل به بالأدلة المتنوعة فهذا مما لا تستوعبه مقالة في مدونة ... إنما هي إشارات سريعة ولدي دلائل كثيرة عليها لم أطرحها هنا حتى لا أثقل الموضوع