الميزان والسنن الإلهية ( 1)

أضيف بتاريخ 06/11/2024
Aysha Møhammêd


قول الله سبحانه وتعالى : (وَالسَّمَاء رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ{7} أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ{8} ) [ الرحمن ]


هذه الآية العظيمة تبرز أن الكون وما فيه إنما موزون بميزان من لدن حكيم خبير ، هذا الميزان الذي هو في ظاهره لنا عبارة عن السنن الكونية والسنن الإلهية ، وهذه كلها مردها إلى الله سبحانه وتعالى : ({صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الأمُورُ }الشورى53 فصيرورة كل أمر في كون الله مرده إلى الله سبحانه وتعالى ، وهذا معنى القيومية ، فهي قيومية مطلقة أهم عناصرها القيام على هذا الميزان .
فالله سبحانه وتعالى لم يخلق الخلق ويتركهم ، بل له الخلق وله الميزان والأمر الذي يحكم حركة الكون والإنسان والحياة .


من هذا الوجه طولب الإنسان ( الخليفة في الأرض ) أن يحترم الميزان ولا يدخل عليه بالطغيان وإلا ترتب على ذلك الفساد من جهة والهلاك من جهة أخرى .
وفهمنا لمجموع السنن الكونية والإلهية به يكتمل تصورنا لمعنى الاستخلاف الحقيقي ، والسنن الكونية هي التي تحكم حركة الكون ومجالها الأوسع في الإدراك  والفهم هو السمع والبصر والفؤاد ، لذا تأتي الآيات الكثيرة التي تستحثنا على التفكر والتأمل ، أو بمعنى آخر تحثنا على استثمار هذه الأدوات بأقصى الدرجات ... نفهم مما سبق أن السنن الكونية مجالها دائرة الحس .

ولعل أعظم استثمار لهذا الأدوات ضمن دائرة الحس والعقل وما يترتب عليهما من تجريب كان في عصرنا الحاضر ؛ حيث رأينا مدى دقة الميزان وهذه السنن الكونية المبثوثة في الكون لدرجة استطعنا التحكم بها والتنبؤ بها بدقة عجيبة كشفت لنا دقة هذا الميزان .
أما السنن الإلهية فهي التي تحكم حركة الإنسان والحياة ، وهي تلك السنن التي تبرز كل موازين استخلاف الإنسان في الأرض ، وتلك القوانين التي تحكم حياته صعوداً وهبوطاً ، وتتجاوز لبيان تعلقه بالسنن الكونية ومدى انفعالها له استجابة أو عناداً .
وهذه السنن تستمد أصولها من دائرة الوحي ، ومجالها أيضاً السمع والبصر والفؤاد الخاص بالروح وليس الجسد ، وهذه الحواس المعنوية لا تنفعل إلا بعد الإيمان .. فبالإيمان يدب بها الحياة من جديد ، وتبدأ حواس البصيرة بمد الروح بمعلومات جديدة غير التي تقرأها الحواس العادية ضمن دائرة الجسد أو الحس ، وهذا المعنى أشارت إليه كثير من الآيات أقف مع آيتين : {أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }الأنعام122
هنا الحياة المقصود بها هو حياة الإيمان والروح والتي ترتب عليها انفعال حواس البصيرة مع هذه الحياة الجديدة ، فهو ليس ميت جسداً ، بل كان ميتاً بالنسبة لعالم الروح فأحياه الله بالإيمان ... والحياة تقتضي أن تنفعل حواس البصر والسمع والفؤاد بطريقة خاصة مع الروح ، ترى من خلاله ما لا يدركه البصر العصبي ، بل تتجاوزه لرؤية أخرى هي مجال دائرة الوحي والروح .


لكن مع موت الروح الإيمانية في داخل الإنسان يكون هناك موتاً للحواس المتعلقة بها والمغذية لها يقول الله سبحانه وتعالى : {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَـئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ }الأعراف179
هنا الآية أثبتت وجود القلوب لكنهم لا يفقهون بها ، وأثبتت الأعين لكن لا يبصرون بها ، وأثبتت السمع لكن لا يسمعون ... فالمراد بالسمع والبصر والفؤاد هنا ليس مجاله الحسي فهو موجود ، بل مجاله المعنوي من خلال دائرة الغيب والبصيرة والإيمان .
وحواس البصيرة تكفلت دائرة الوحي بتغذيتها وتوجيهها نحو الفهم الصحيح ، فالحواس العادية فيها القدرة على إدراك السنن الكونية فهو يدخل بمجالها ، لكنها تقف عاجزة عن إكمال المسيرة لتخترق دائرة الوحي في الإدراك .. لأنها هنا بحاجة لتفعيل الحواس المعنوية في الإدراك .. وتلك الحواس لا تنفعل إلا بالإيمان . لكن كل من دائرتي الحس والعقل في مجال السنن الكونية مؤسسة على أن توصلنا إلى دائرة الوحي دون اختراقها ومعرفة تفاصيلها ، فالحس والعقل حال سلامتهما لا محالة سيخرجان بمسلمة حيوية هي أن  القوانين التي تحكم حركة الكون غير قائمة بذاتها بل بغيرها ، وأنها لا محالة بدقتها وتوازنها العجيب لا يمكن صدورها بالصدفة وانفعالها عشوائياً .. فلا بد من ميزان حكيم يحكمها . 


لكن  الحواس العادية إذا حصل موت للقلب المعنوي لا تستطيع إلا الوقوف عند السبب بعيداً عن إدراك المسبب .
هنا تأتي قيمة دائرة الوحي والبصيرة لإكمال المسيرة ، فعلى سبيل المثال مسألة المطر عندما تفسر علمياً ، يقف التفسير العلمي في حدود الأسباب المباشرة المتعلقة بالمنخفضات الجوية والمرتفعات الجوية المؤسسة لحركة الرياح وتوجهاتها بما تحمله من أمطار إضافة لقوانين التكاثف .. إلخ .. هنا تقف مع الأسباب القريبة المشاهدة ضمن دائرة الحس والعقل ، لكن القرآن ودائرة الوحي يعبر عنها من خلال القيومية بردها إلى المسبب يقول الله سبحانه وتعالى : {اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاء كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ }الروم48


فالآية هنا بدأت بالمسبب وهو الله ، ودائرة الحس وقفت عند المنخفض الجوي ( السبب ) لكن دائرة الوحي أبرزت هنا أن حركة المطر إنما يسير ضمن قيومية الله لكونه ، فهو الذي يرسل الرياح ، والرياح تثير سحاباً بأمره ، وهو الذي يبسطه في السماء كيف يشاء ، وهو الذي يجعله يتكاثف كسفاً ، وهو الذي يقدر تصادم وتلاقح السحب بما ينتج عنه الودق والبرق ، وهو الذي يقدر مكان نزوله ، ومقدار ما ينزل بطريقة موزونة ، ويحدد من يستفيد منه بطريقة حكيمة .
فدائرة الوحي ردتنا للمسبب وجعلت كل خيوط الأسباب مردها إلى قيومية الله وحكمته . والآية السابقة جاءت آية اخرى تكمل مسيرتها بنفس المنهج يقول الله سبحانه وتعالى : {وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ }الحجر22 هذه الآية ردتنا للمسبب ، واستخدمت صيغة الجمع في الدلالة عليه للإشارة إلى أن إرسال الرياح تتضافر فيه صفات كثيرة للمسبب كالحكمة والرحمة والقدرة ..
يقول الله سبحانه وتعالى : {وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ }فاطر9


هنا بدأت الآية بالمسبب على وجه التفريد( والله الذي يرسل )  للإشارة لتفرده بالأمر ؛ حيث لا يشاركه به أحد حيث تتجلى صفة القدرة .. ثم بعد ذلك يستخدم صيغة الجمع ( فسقناه ) للإشارة إلى أن سوق السحاب إلى بلد ميت إنما يكون من خلال صفات متعددة للمسبب تتشارك به ؛ حيث تتجلى صفة العليم ، وتتجلى صفة الحكيم ، وصفة القدرة ، وصفة الهداية ، وصفة المحيي ، وصفة الباعث ، وصفة الرحيم ، وصفة الرازق .
فتكوين السحاب وتحريك الرياح تتجلى بهما صفة القدير ، أما سوقه لبلد ميت فتتشارك به صفات كثيرة جداً لذا كانت صيغة الجمع .


وما زلنا مع ظاهرة المطر ضمن دائرة الوحي يقول الله سبحانه وتعالى : {وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ }الحجر22
هنا تتوسع الظاهرة وكلها مردها للمسبب ببيان قوانين عدة مبنية على صفة النعمة الإلهية ، وهذا اقتضى صيغة الجمع ، لأن الرياح هنا ليست لإثارة السحاب فقط ، بل هي لواقح ، واللواقح تتظافر بها صفات عدة منها : المنعم والحكيم والرزاق وغيرها .. ثم بيان أن حاجة الإنسان للماء إنما هو بقانون إلهي ، ثم تقدير استفادة الإنسان من الماء النازل من السماء هو بقوانين إلهية ، وإلا فما أنتم له بخازنين ، فالذي قدر تخزينه في الأرض بطريقة نافعة للإنسان هو الله .


إذا هذه ظاهرة المطر تناولناها من خلال دائرة الوحي ليستبين الميزان ، وما يقال على ظاهرة المطر يقال على كل الظواهر في الكون ، فلا عشوائية ، ولا أسباب بدون مسبب ، فكل شيء بقدر موزون من لدن حكيم ... ومن هذا الوجه لا يقال لكل الأحداث الطبيعية التي تحصل هنا أو هناك ، سواء نزول مطر أو برد ، أو  أعاصير أو زلازل أو براكين أو جفاف ، أو أوبئة أو مجاعات أو هزات أرضية أو موجات تسونامي أو فيروسات أو غرق او نيازك  إلخ ، لا يقال لكل هذه الظواهر أنها تنفعل لذاتها ، بل كل هذه الظواهر إنما تقع ضمن حكمة الله وتحت علمه وقدرته وضمن إطار موزون مرده إلى الميزان الذي قدره الله سبحانه وتعالى ، وكل ضرر يحصل خلال تلك الأحداث الطبيعية إنما هو ضرر مقدر ساقه الله لأهله .
أعلم أن الكلام هنا فيه بعض الصعوبة أو عدم الترتيب لذا أرى أن أخلص لخلاصة مهمة تبرز العناصر التي تدور حولها المقالة .

*خلاصة مهمة:

 

  1.             الميزان هو تلك السنن الإلهية والكونية التي تحكم حركة الكون والإنسان والحياة ، السنن الكونية تحكم حركة الكون من الذرة إلى المجرة و تتعلق بدائرتي الحس والعقل وهي ثابتة ثباتاً نسبياً وبسيطة في فهمها قياساً للسنن الإلهية لكي يستطيع الإنسان أن يستثمرها ضمن دائرة استعمار الأرض واستخلافها ، أما السنن الإلهية فهي تحكم حركة الإنسان والحياة ضمن الكون ومجالها دائرة الوحي ، وهذه السنن أكثر ثباتاً من السنن الكونية ، فهي تمثل قوانين صارمة لا تتبدل ولا تتغير على مدار التاريخ الإنساني ؛ لذا عقبها يكثر الإشارة إلى عدم تبديلها أو تحويلها : {اسْتِكْبَاراً فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ حْوِيلاً }فاطر43 {سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً }الأحزاب62
  2.             في الغالب أن السنن الكونية والإلهية بينهما تناسب وعلاقة طردية بحيث إحداهما تؤثر في الأخرى ، لكن السنن الإلهية أكثر تأثيراً في السنن الكونية  ، بمعنى أن أي تخلف في السنن الإلهية لا محالة يترتب عليه تأثير مباشر على السنن الكونية إيجاباً وسلباً ويرشد إلى ذلك قوله تعالى : {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ }الروم41 فالفساد هنا معناه اختلال ميزان السنن الكونية وسببه في الآية حال الإنسان واضطراب ميزانه المتعلق بالسنن الإلهية ، هذا يمثل يبرز جانب السلب ، أما جانب الإيجاب فيمثله قوله تعالى : {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَـكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ }الأعراف96 هنا بركات السماء المتعلقة بالسنن الكونية تأثرت بالتغيير الإيجابي عند الإنسان ( الإيمان والتقوى ) وذلك في جانب السنن الإلهية .
  3.                دائرة الحس والعقل تقف بنا في الغالب عند السبب ، تأتي دائرة الوحي لإكمال الفهم نحو ربط السبب بالمسبب ، فلا عشوائية في السنن الكونية ، وكل شيء هو بقدر معلوم موزون {وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا       فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْزُونٍ }الحجر19 فكل شيء موزون بالميزان وما ينزل شيء إلا بقدر معلوم {وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ }الحجر21 ، ولا توجد حركة في الكون إلا أحاط الله بها علماً وقدرة ، {وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ }الأنعام59 فالآية واضحة : لا تسقط ورقة ولا حبة ولا رطب ولا يابس إلا يعلمه الله ويخضع لميزانه ، بل ما هو جاءت الآيات لتبرز أن الحبة مهما صغرت هي تحت الميزان والإرادة والقدرة الإلهية يقول الله سبحانه وتعالى : {يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ }لقمان16 ووفق ما ذكرت لا توجد عشوائية في كل الأحداث التي تمر بالإنسان .. وتسميتها أحداثاً طبيعية لا يعني أنها لا تخضع لميزان دقيق حكيم ، سواء الأمطار أو الأعاصير أو الزلازل أو الأمواج أو موت كائنات البحر أو القحط أو البراكين ، أو حتى الأزمات الاقتصادية أو حالات الاستنزاف والحروب فهي محكومة كلها بالميزان وسننه .
  4. تتميز السنن الإلهية أنها أكثر تعقيداً من السنن الكونية ، فهي منظومة من السنن المتداخلة فيما بينها بشكل عجيب أمكن إدراك أجزاء منها من أهل العلم ، وكلما كان صاحب العلم أوسع فهماً وأعمق إحاطة كلما أدرك هذه السنن بطريقة يستطيع من خلالها أن يتنبأ بالنتائج .. لكن هذا علم عميق عزيز يحتاج إلى دراسة واعية محيطة تستوعب السنن وعلاقتها فيما بينها ، ونسبة هذه العلاقة وكشف السنة المرجحة ... وللأسف بالرغم من أهمية هذا العلم وغزارته وبيان أسسه في كثير من الآيات فهو الميزان إلا أن علماء الأمة على مدار التاريخ الإسلامي قد أغفلوه وقزموه على حساب تضخيم الأحكام العملية والفقهية ، فالصلاة لا تحتاج لكل هذه المجلدات والجهود لبيان أحكامها ، وبالمقابل السنن التي استوعبت ميزان الله لا نجد جهوداً من علمائنا في طرحها وتجلية أسرارها ، ولو كان هذا الأمر ، لفهمنا ما نحن عليه الآن ... وإلى أين تتجه بنا السفينة ، ومن هذا الوجه سلسلة الميزان هو محاولة لطرح هذا العلم وبعض إشاراته . 
  5.           السنن الكونية لها بصر وسمع وفؤاد يخدمها في دائرة الحس ، والسنن الإلهية ودارة الوحي لها بصر وسمع وفؤاد بخدمها ضمن دائرة البصيرة وما يعقلها إلا العالمون