علم السنن الإلهية هو علم عظيم عزيز لم يطرق بمدلولاته بعد ، فهذا العلم يمثل سر الله في كونه وميزانه الحكيم الذي يحكم حركة الإنسان والكون والحياة ، وهذا الميزان الخفي عن الكثيرين ينصب بشكل حسي يوم القيامة للحساب .. للأسف الكثيرون يحومون حول الحمى ، ويقفون عند هذه السنن على شكل قوالب جامدة متكررة بنفس الوصف دون إدراك جوانب التفاعل والتداخل الحكيم بينها لتتناسب كل سنة مع الحدث وبنفس درجته من خلال تفاعلها مع السنن الأخرى بحسب الحال ...سأضرب مثالاً يبرز فهمي للسنن بحسب الحال .
قوله تعالى : (واصطنعتك لنفسي )
اصطنع الله موسى عليه السلام لاستنقاذ أمة مستضعفة في الأرض ، وكان الاصطناع بحسب الوظيفة والمهمة ؛ لذا كانت المعية حتى في اللحظات الحساسة مرتكزة على شخصية موسى عليه السلام وهذا واضح عندما وصل البحر ووجد اليأس في قومه زجرهم بقوله ( كلا إن معي ربي سيهدين ) فهنا جعل المعية قاصرة عليه ... فوظيفة موسى عليه السلام ومهمته من الدرجة الأولى هو استنقاذ أمة .
وهذا الاصطناع كان أيضاً من حظ سيد المرسلين محمد عليه السلام لكن مع اختلاف المهمة والوظيفة ، فقد اصطنع الله محمداً عليه السلام ليس ليستنقذ أمة في الأرض ، بل اصطنعه ليصطنع أمة بأكملها لتكون خير امة اخرجت للناس ، فأمة محمد أمة خروج لكل الناس أما أمة بني إسرائيل فهي أمة دخول ( ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم )
من هذا الوجه لم تقتصر المعية على النبي عليه السلام بل تعدته لمن حوله في اللحظات العصيبة ( لا تحزن إن الله معنا) فالمعية هنا شملت النبي وصديقه في الغار ...
وكثير من الآيات جاءت لترشد لذات المعية يقول تعالى ( {فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ }محمد35 فهنا المعية شملت الجميع .
إذا اختلاف المهمة ترتب عليه اختلاف الاصطناعين بين الكليم وسيد المرسلين .لكن في عهد المهدي تتغير المهمة فهي مزيج من التجربتين ، فهو يكون عنواناً لاستنقاذ أمة مستضعفة ( تجربة موسى عليه السلام ) وعنوان لنشر الرسالة والقيم والعدل في الأرض ( اخرجت للناس وتجربة محمد عليه السلام ) لذا تتفاعل السنن وطبيعة الاصطناع ليتناسب مع المهمة ، من هذا الوجه أخذ المهدي رمزية حجر الزاوية ؛ أي حجر الأساس الذي يربط بين جدارين
فالسنن التي تتساوق معه هي مزيج من التجربتين في تفاعلهما لأداء المهمة بحسب الحال ..... وهذا موضوع عميق قد لا يفهمه البعض ، يبقى الانتظار لنر ماذا تحمله الأيام ... وما يعقلها إلا العالمون .