محاور علامات الساعة(الإمام المهدي-2-)

أضيف بتاريخ 06/05/2024
Aysha Møhammêd


المحور الرابع : الإمام المهدي .

- عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود  عَنِ النَّبِيِّ عليه السلام   قَالَ : } لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا يَوْمٌ - قَالَ زَائِدَةُ فِي حَدِيثِهِ - لَطَوَّلَ اللَّهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ ثُمَّ اتَّفَقُوا حَتَّى يَبْعَثَ فِيهِ رَجُلًا مِنِّي أَوْ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي يُوَاطِئُ اسْمُهُ اسْمِي وَاسْمُ أَبِيهِ اسْمُ أَبِي ، يَمْلَأُ الْأَرْضَ قِسْطًا وَعَدْلًا كَمَا مُلِئَتْ ظُلْمًا وَجَوْرًا{  ([1])  

وفي رواية أبي داود} لَا تَذْهَبُ أَوْ لَا تَنْقَضِي الدُّنْيَا حَتَّى يَمْلِكَ الْعَرَبَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي يُوَاطِئُ اسْمُهُ اسْمِي {  ([2])   

نعيش وقفات مع دلالات هذين الحديثين ...

أولاً : المواطأة .

ألاحظ في كثير من المقالات أن مسالة المواطأة قد اخذت مجالاً واسعاً من النقاش ، وكان للهوى نصيب أو حظ وافر من هذه النقاشات ، خاصة أن في أحد الأحاديث ان المواطأة بين اسم النبي والمهدي تعلق أيضاً بالأب .

طبعاً يأتي هنا تساؤل مشروع وهو لماذا استخدم النبي عليه السلام هذه الكلمة ولم يصرح بالاسم ، أي لماذا لم يقل : اسمه محمد عبد الله ... السبب هو أن اسمه ليس محمد بن عبدالله ، وإنما يواطئ اسم محمد بن عبد الله ، وهذا يطرح تساؤلاً آخر وهو لماذا لم يصرح باسمه الحقيقي ؟ وهذا يقودنا لتساؤل ثالث وهو لماذا استخدم هذه الكلمة بالذات .

نبدأ من التساؤل الأخير ، فعندنا كلمة مطابقة وكلمة مشابهة وكلمة مواطئة ، وكل كلمة من هذه الكلمات لها دلالتها الخاصة . فلو قال النبي اسمه اسمي أو يطابق اسمي فمعنى الكلام بالفعل أن اسمه هو محمد واسم أبيه عبد الله ... لأن دلالة التطابق ترشد عدم اختلاف الاسمين بشيء .

لكن النبي عليه السلام عدل عن كلمة يطابق إلى كلمة يواطئ التي تعني أن اسمه يوافق اسمه واسم أبيه يوافق اسم أبي .. فالموافقة وإن كانت تتفق مع المطابقة في جوانب إلا أنها في جانب أو أكثر تختلف معه .

فمعنى أن اسم المهدي يواطئ اسمي أي أنه يشبه الاسم في مضمونه ولكن يخالفه في بعض الوجوه ... تعالوا ننظر أين استخدم القرآن نفس اللفظة ، يقول الله سبحانه وتعالى : قال الله تعالى(إنما النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عَاماً لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ) التوبة/37 .

هنا النسئ عبارة عن تلاعب في الأشهر الحرم ، في سنة يحرمون وفي سنة يحللون .. فكانوا يجعلون أشهر حلال حراماً وأشهر حرام حلالاً ... فالأشهر الحرم هي أربعة ذو القعدة وذو الحجة ومحرم ورجب .. أحياناً كانوا يحلون شهر محرم ويحرمون صفر .. وفي قول أنهم اعتبروا التقويم الشمسي في الحج وغيره ، بزيادة شهر كل ثلاث سنوات ، ووفق ذلك كانوا مرة يحجون في ذي الحجة ، ومرة في ذي القعدة ومرة في صفر ...

 

طبعاً لا يعنينا هنا مسألة النسئ وملاحقتها إنما يعنينا كلمة ليواطئوا ، فهم بنسيئهم هذا وافقوا فقط في العدد ، أي كل سنة كانوا يعتبرون أربعة أشهر حرم ، لكن من حيث المضمون خالفوا في حقيقة الأشهر الحرم نفسها ، فعندما يتحول صفر إلى شهر من الأشهر الحرم هنا خالفوا في المضمون وإن وافقوا في العدد .

فمعنى كلمة المواطأة هو الموافقة ولكن لا تشترط المطابقة من كل الوجوه ، والمواطأة حتماً لا تستلزم المخالفة من كل الوجوه ..

إذاً المواطئة معناها الموافقة ولا يشترط المطابقة ولا تستلزم المخالفة من كل الوجوه ، وهذا هو سر اختيار النبي عليه السلام لهذه الكلمة بالذات لإنها ترشد للاسم الحقيقي للإمام لكن بطريقة قد لا نفهمها إلا في وقتها .

هنا يطرح تساؤل ما هو الاسم الذي يواطئ اسم النبي عليه السلام ، هو كل اسم في معنى الحمد مبني للمجهول ( حُمد ) فيواطئ اسم النبي هنا محمود وأحمد ومحمد ... هذه الأسماء الثلاثة توافق اسم النبي عليه السلام بالضبط ، وإن كان بعضها خالف في الرسم أو زيادة في بعض الحروف . فنجد أن الأسماء الثلاثة فيها معنى أن صاحبها محمود ويُحمد من الناس ... فهذه الاسماء توافق اسم النبي عليه السلام أو تواطئها ، بل اسم حامد مع أنه من نفس جذر ( حمد ) إلا أنه لا يوافق اسم النبي ، فهذا حامد ، وذلك محمود .

ونلاحظ أن الاسم الذي بشر به عيسى عليه السلام قومه هو أحمد ، وهو يوافق ويواطئ اسم محمد عليه السلام ، بالرغم من أن اسم أحمد مغاير بالرسم وبأحد الحروف عن اسم محمد لكنه متفق ومتوافق معه في المضمون .. لذا بشارة عيسى عليه السلام بأحمد صدقت على محمد عليه السلام .

أما مواطئة اسم الأب فمعناها أن يكون اسم الأب موافق لاسم عبد الله وهنا يكون المجال واسعاً من خلال كل الأسماء التي فيها انتساب لصفة من صفات الله كعبد الرحمن أو عبد الخالق .... فهذه الأسماء كلها متوافقة وإن لم تكن متطابقة من كل الوجوه .

إذا ممكن يكون اسم المهدي محمود وممكن احمد وممكن محمد وممكن اسم أبيه عبد الخالق عبد الستار عبد الرحمن عبد الكريم ....

فهذا هو معنى المواطأة ومن يبحث عن مهدي خارج دائرة هذه الأسماء فقد جانب الصواب ، والعجيب في النت تجد أن بعض الأدعياء أسماءهم بعيداً عن معنى المواطأة ولكنهم يصرون على أن يركبوا بردعة الهوى والمزاجية ... هذا شأنهم لكنهم لن يصلوا لشيء ، بل تعجبت من بعض الأسماء حتى تصورت من البعض أن يقول ان اسم المهدي فتحية أو حسنية لكثرة ما أراهم يخوضون فيما لا يعلمون .

نأتي هنا حتى نكمل البحث من كل جوانبه إلى كلمة الأب في الحديث ، فالأب تحتمل الأب القريب أو الأبعد منه فالنبي عندما نسب نفسه قال أن النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب .. ويعقوب سما إبراهيم وإسحق أباء ليوسف ، حيث قال : (وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَىٰ آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَىٰ أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ ) [ يوسف ]

فإسحق الجد الأول وإبراهيم الجد الثاني لكن يعقوب عليه السلام بنص القرآن سماهم آباء ليوسف عليه السلام .

فهذا النهج القرآني وموجود مثله في السنة في عدة مواقف منها ما ذكرت ومنها قول النبي لصفية أن أباها نبي وعمها نبي يقصد هارون جدها البعيد ... فهذا من نهج العرب ولغتهم ؛ لذا قد تحتمل كلمة الأب سر من أسرار المواطأة .

وهنا نأتي للتساؤل المهم ، وهو لماذا لم يصرح النبي باسم المهدي ويريحنا من هذا العناء في فهم المقصود بالمواطأة .. والله أعلم أنها يراد بها حفظ الرجل الموعود ؛ حيث لا يستبين مقصود المواطأة إلا بعد تمكنه وإصلاحه واستعداده للمهمة .. أما قبل ذلك فستتوه الأقلام والنفوس في معرفة الرجل المقصود حتى اللحظة الأخيرة .. إذ لو صرح النبي عليه السلام فإن دائرة البحث تكون في أضيق صورها مما قد يفضي بكشفه في غير وقته .

الخلاصة التي وصلت إليها أن في المواطأة سر دفين سينكشف في أوانه ، والغرض من هذا الأسلوب هو حفظ الإمام أو إبعاده عن الأنظار حتى يأتي أوانه ، لكن عند خروجه سيعلم الجميع بالفعل أن اسمه كان يواطئ اسم النبي عليه السلام وليس بالضرورة أن يكون اسمه محمد عبدالله .

ثانياً : طبيعة الملك .

نلحظ في الحديث الأول أن النبي عليه السلام قد بين أن مسألة المهدي لا محالة واقعة في الدنيا ، بل لو لم يبق في الدنيا إلا يوم لطول الله هذا اليوم لأجل المهدي مما يرشد بالضرورة أن المهدي حق وأنه حاصل قبل يوم القيامة ، وأنه من مقتضيات الصراع بين الحق والباطل ، وأنه ليس رجلاً عادياً أو مصلحاً كأي مصلح ، بل هو رجل له مهمة محورية جداً تتعلق بصفحة من أهم صفحات التاريخ ، ورجل هذا شأنه لا بد أن يكون مؤيد يتأييدات عظيمة جداً قد تفوق كل تصوراتنا ، فهذا الرجل يختاره الله في مرحلة ما بين أعظم فتنتين في كل الأرض وهما الدهيماء والدجال ... فلا بد أن يكون في الحق بحجم هاتين الفتنتين في الباطل .. كذلك طبيعة الثمرة المتوقعة من الرجل ينقل الناس من حالة الظلم بأعلى درجاته إلى العدل بأرقى صوره .. فهذه الثمرة الكبيرة جداً توحي لنا بقوة أن للرجل تأييدات خاصة فوق كل تصوراتنا والأيام كفيلة ببيان حقيقة هذا الأمر .

كذلك نلحظ في الرواية الثانية أن النبي استخدم كلمة ( يملك ) مما يرشد أن طبيعة المرحلة أنها ملك وليس بنفس نظام الحكم الاستخلافي ، لذا هو أشبه في ملكه مرحلة الخليفة الأول ووريثه ( داود وسليمان عليهما السلام ) فسليمان عليه السلام كان ملكاً نبياً ، بينما حبيبنا محمد عليه السلام فقد ارتضى أن يكون عبداً رسولاً .... ولاحظنا في سلسلة غصن الرب أنه يجلس على كرسي داود مما يشير إلى طبيعة ملك المهدي رضي الله عنه إنه امتداد لخلافة داود وملكه ، ويحتمل بقوة ان تكون خلافة تسخيرية شبيهة بتلك التي كانت لداود وسليمان عليهما السلام .. وقد جاءت بعض الرؤى برمزية سليمان لترشد لملك الإمام المهدي ، بل هناك رؤية فيها أن ملك سليمان سيكون تحت عضد أربعمائة من أمة محمد عليه السلام .. مما يشير إلى مفاجآت كبيرة قد نراها في مرحلة الإمام المهدي رضي الله عنه . 

 

----------------------------------------

([1])  أخرجه أبو داود في المهدي 4262 [ عون المعبود ( 11/369) ] والترمذي في الفتن ، برقم 2332 ، وقال : هذا حديث حسن صحيح [ تحفة الأحوذي ( 6/486) ]

([2])  أخرجه أبو داود في تتمة للحديث السابق [ عون المعبود ( 11/371) ] والترمذي في المهدي برقم 2331 ، وقال في الباب عن علي وأبي سعيد وأم سلمة و أبي  هريرة [ تحفة الأحوذي ( 6/484) ]