التجارة :
التجارة هي شريان المعاملات المالية وروحها ؛ ورزقها من خير الأرزاق إن تجنب القائم بها مواطن الظلم ؛ لذا قدر الله للنبي أن يباشر هذا العمل بنفسه ليكون على بينة وصاحب تجربة في هذا الجانب الحيوي من معاملات البشر
وكان لصفاته الجليلة التي ذاع صيتها بالغ الأثر في امتهانه هذه المهنة ؛ حيث رغبت خديجة بنت خويلد -وكانت ذات مال - في أن يتجر لها بمالها بعدما سمعت عن أمانته وطيب أخلاقه ، وأرسلت معه غلامها ميسرة الذي رأى من الحبيب محمد الفكر الراجح والشمائل الطيبة والنهج الأمين
فسارع بإبلاغ خديجة بما رأى ، إضافة لما رأت خديجة نفسها من بركة وربح وفير ما لم تر من قبل ، فكانت هذه الصفات مما رغبها في الزواج منه بعد ذلك .
واختيار هذه المهنة لرسول الله له دلالاته لعل أهمها :
- أن التجارة تعتبر روح المعاملات المالية ، والمال زينة الحياة الدنيا ، وحرص الإنسان على اقتنائه والاستزادة منه معلوم ؛ لذا يتخلل هذا الجانب الوظيفي المتعلق بمصلحة حفظ المال أنواع من الخلل منشؤها في الغالب حب المال
وما يترتب على ذلك من نزاع له أثره على العلاقات الإنسانية ؛ لذا قدر الله سبحانه وتعالى لرسوله تلك التجربة العملية التي تبصره بطرق تداول المال من خلال التجارة
- وترشده إلى جوانب الخلل ومواطن النزاع فيها ، لكي يتعاطى معها عن تجربة حية في تشريعاته الخاصة في المعاملات المالية بما يدفع عن الناس الشقاء والنزاع فيه
- ويعزز الألفة والمودة والتماسك بين أفراد المجتمع ؛ ويحقق مبدأي العدل والإحسان من خلاله : العدل بإعطاء كل ذي حق حقه ، والإحسان من خلال التأكيد على ضرورة مراعاة جانب التسامح في المعاملات الشرعية والتي يجملها قوله : « رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا سَمْحًا إِذَا بَاعَ وَإِذَا اشْتَرَى وَإِذَا اقْتَضَى . » ([1])