السنن الإلهية والأسماء الحسنى

أضيف بتاريخ 06/11/2024
Aysha Møhammêd


هذه مقالات ثلاثة في الفيس بينهما تواصل أردت مشاركتها هنا حفظاً لها من الضياع . 

* المقالة الأولى : 


( ألا له الخلق والأمر)

      الخلق معروف ، والأمر من خيوطه السنن الإلهية والسنن الكونية ، ومعاقدها الذي تنتهي إليه هذه الخيوط هي أسماء الله وصفاته ، ومن أدرك سر هذين العلمين دخل في درجات علم الكتاب ، والذي عنده علم من الكتاب جلب العرش بطرفة عين من خلال هذا العلم السنني المنتهي عند الأسماء والصفات ، وطرفة العين من الأمر ، والأمر بينه الله بقوله : {وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ }القمر50 فأمر الله كطرفة عين أو كلمح بالبصر ... كلماتي هذه لمن يعقلها لا توزن باللألئ والدرر . ورب مبلغ أوعى من سامع

* المقالة الثانية : 


(قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى }طه50.

هذه مقالة متممة للمقالة السابقة إمعاناً في الفهم ، فالآية السابقة تشير إلى إجابة موسى عليه السلام لفرعون عندما قال من ربكما يا موسى ، فأجاب موسى عليه السلام إجابة جامعة مانعة معرفة بالله ، فالله الذي أعطى كل شيء خلقه ... هنا إشارة إلى صفة الخلق وسننيته وكل الصفات الخادمه له .... ثم اهتدى هنا إشارة إلى صفة الأمر ...

لأن هداية الكائنات والمخلوقات من الذرة إلى المجرة وما بينهما وما فوقهما هو إشارة للنواميس والقوانين والسنن الصارمة التي تكفل هداية كل مخلوق لما خلق لله ، بمعنى أن الله خلق الخلق ولم يهملهم بل بث فيهم من السنن والقوانين التي تيسر كل مخلوق لما خُلق له ... معنى إجابة موسى عليه السلام يردنا مباشرة إلى قوله تعالى ( ألا له الخلق والأمر ) والهداية وسننها ومعاقدها من باب الأمر .

 

* المقالة الثالثة :

أعجبتني عبارة كنت قرأتها في احد كتب التفسير أو علوم القرآن لا أذكر الآن أين .. مفاد العبارة أن أسرار آيات القرآن في خواتيمها ، والخواتيم في الأغلب تنتهي بأسماء حسنى مركبة ( أكثر من اسم ) وهذا الكلام صحيح فالأسماء معاقد الآيات ومنتهى الأمر ... وهذا سر لا يدركه إلا القليل .. لذا كل اسم مركب في آخر آية يرشد إلى سر تلك الآية ويفهمنا جزءً من أسرار سننية تلك الآية ...


حتى لا اطيل هنا أذكر آية وأبرز سرها السنني وهي في حق يعقوب عليه السلام ، يقول الله سبحانه وتعالى : {وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }يوسف6 هنا الآية تكلمت عن سنة الاجتباء ، وانتهت بقول يعقوب عليه السلام إن ربك عليم حكيم ... وهذه الصيغة جاءت في سياق الدعاء من يعقوب عليه السلام ، بمعنى أن ربك عليم يعلمك العلم ، حكيم يهبك الحكمة ، وهاتان الصفتان هما منتهى سنة الاجتباء ومعقدهما ... لكن في الآية قدم العلم على الحكمة جرياً على السنن الإلهية الجارية ، لأن الحكمة هي اكتمال تجربة مبنية على العلم ، والعلم سابق لهذه التجربة ، فلا بد من العلم قبل الحكمة ، فهذه هي السنن ؛ لذا قدمت الآية العلم على الحكمة بحسب السنن هنا .

طبعاً هذه الآية تشير للتأويل اليعقوبي للرؤية وقد بينت أسرار التأويل اليعقوبي واليوسفي في مقالة سابقة في مدونة الموسوعة فليرجع إليها .. لكن نلحظ في سياق السورة أن ما حصل مع يوسف لم يكن سنة إلهية جارية ، بل سنة إلهية خارقة ... يقول الله سبحانه وتعالى : {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ }يوسف22


فيعقوب عليه السلام قدم العلم على الحكمة بحسب السنن الإلهية الجارية ، لكن الآية هنا في حق يوسف عليه السلام قدمت الحكم والحكمة على العلم من باب الجزاء على إحسان يوسف عليه السلام وخرقاً للسنن الجارية نحو الخارقة في حق هذا النبي عليه السلام ، وهذه الحالة التي تسبق فيها الحكمة العلم هي خاصة بالأنبياء في حالات خاصة مخالفة للسنن الجارية ... أما لماذا كانت هبة الحكمة ليوسف عليه السلام قبل نعمة العلم ؛ لأن حاجة يوسف للحكمة وتقدير المواقف كان أكثر من حاجته للعلم نفسه ...

فهو يعيش تجربة خاصة في أرض غربة تم بيعه فيها كمملوك لا يملك من أمره شيئاً ، وهذه الحالة تفتقر للفرص المؤاتية لحصول العلم وتحصيل أسبابه ؛ لذا عاجله الله بالحكمة قبل العلم لكي يكون عنده حسن تقدير للمواقف التي يتعرض إليها ، ويتصرف معها بحسب ما يتناسب وهذه الحكمة بعينها ، وهي حاصله قبل سجنه ، أما في السجن فكانت الفرص مؤاتية لتحصيل العلم ، فكان العلم بتحصيل أسبابه ... هنا السنة الخارقة ليوسف عليه السلام لم تقتصر على صفتي العلم والحكمة كمعقد للسنة ومنتهاها ، بل ساندتها صفات لله أخرى قدرت التأخير والتقديم وخرق للسنة الجارية .. كصفة الرحمة وصفة الوهاب وغيرهما من الصفات
فيعقوب عليه السلام اختار ترتيباً يتوافق مع الوضع الطبيعي للسنن ، لكن الظرف الخاص ليوسف عليه السلام فرض خرقاً لهذا الترتيب بتساند صفات أخرى غيرت من الترتيب الطبيعي للعلم ودرجاته في حق يوسف عليه السلام .