بينت في المقالة السابقة أن من معاني هذه الآية أن المقصود النجوم هنا آيات الله التي نزلت نجوماً ، وأن مواقع مواطن نزولها في مكة والمدينة ، كذلك مواقع نجومها ، هو تأويلها على الواقع ، أو الحقيقة التي تؤول إليها الآية في الواقع .
على سبيل المثال : سيدنا عمر رضي الله عنه تحير في فهم قوله تعالى : ( سيهزم الجمع ويولون الدبر ) فهذه الآية من سورة القمر ، وقد نزلت في مكة ، وفي مكة كان عمر بن الخطاب يرى الصحابة مستضعفين يخافون أن يتخطفهم الناس
فأي جمع هذا الذي سيهزم وحال المسلمين بأعلى درجات الاستضعاف ، عن عكرمة ، قال : لما نزلت ( سيهزم الجمع ويولون الدبر ) قال عمر : أي جمع يهزم ؟ أي جمع يغلب ؟ قال عمر : فلما كان يوم بدر رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يثب في الدرع ، وهو يقول : ( سيهزم الجمع ويولون الدبر ) فعرفت تأويلها يومئذ .
إذاً موقع نجم الآية أو الحقيقة التي يؤول لها معنى الآية كان في غزوة بدر حين شاهد عمر النبي عليه السلام يرددها قبيل الغزوة وشاهد بعينيه انهزام الجمع وتوليتهم الدبر .
لكن هل وقف مدلول الآية عند هذا الحدث ، طبعاً لا ، لأن آيات الله كانت تنزل بطريقة سننية متكررة الدلالة عبر التاريخ ..
و من أهم المعارك التي يصدق عليها مدلول الآية وموقع نجمها أيضاً في المستقبل هو الملحمة العظمى في آخر الزمان .. فهذه المعركة أشار إليها النبي في سنته عدة مرات لأهميتها ، وتتميز بأن الروم يجمعون للمسلمين تحت ثمانين راية .. إذاً هذا جمع تجمع من جهات متعددة ليواجه المسلمين الضعفاء في أول بداية سطوع نجمهم الثاني في بداية العالمية الثانية للإسلام .
كذلك المعركة تكون بين يدي الساعة وعلامة من علامات قربها وهي الأنسب في ذكرها في سورة تتحدث عن اقتراب الساعة وانشقاق القمر .. والملحمة العظمى في بدايتها تكون شبيهة بغزوة أحد لكن مع فارق واحد وهو انتصار المسلمين فيها بخلاف غزوة أحد .
فهذه الملحمة يتخلف عنها ثلث جيش المسلمين كما في غزوة أحد ويكونون أشد الناس نفاقاً كما بين الحديث ولا يتوب الله عليهم .. ويستشهد ثلث ويكونون أعظم الشهداء عند الله .. وينتصر ثلث لا يفتنون بعد تلك المعركة ...
والنبي عليه السلام قال بعد غزوة أحد عندما تحرك نحو حمراء الأسد : لا يتبعني إلا أحدي ... للإشارة إلى عظمة إيمان الأحديين الذين ثبتوا في غزوة أحد ، وهو نفس حال المنتصرين بعد الملحمة العظمى ...
هذه الملحمة بالذات سيرى المؤمنون فيها مدلول قوله تعالى : سيهزم الجمع ويولون الدبر ، بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر .