( قرآناً عجباً )
لم يأت القرآن الكريم لكي يعالج مرحلة آنية عايشها الرسول الأكرم وصحابته الكرام ، بل جاء بنظم يستوعب الماضي والحاضر والمستقبل في ذات اللحظة التي يعالج فيها تجربة خاصة للنبي وصحابته ، فالقرآن الكريم هو الكتاب الخاتم الذي لا تنتهي عجائبه جاء ليخاطب كل زمان ومكان في ذات اللحظة التي يعالج فيها أحداث في في اودية مكة أو ربوع المدينة المنورة .. لذا تميز هذا الكتاب باسم يحمل في ثناياه دلالات عجيبة .. إنه القرآن وقرآن على وزن فعلان وهذه الصيغة تفيد الامتلاء ، أي أنه إشارة إلى تلك القراءة المطلقة المستوعبة لكل زمان ومكان ..
من تأمل ملياً في كتاب الله يجد بالفعل كثير من الآيات وإن كانت تخاطب النبي عليه السلام لكنها في مدلولها تتحدث عن أحداث مستقبلية ستمر بها الأمة ، والنبي في خطابه لزمانه كان في ذات اللحظة يستوعب التجارب المستقبلية ودلالاتها ... فالنبي عليه السلام أنذر قومه صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود .. والصاعقة لم تحصل في زمانه لأنها إنذار أخروي قائم خلال تجربة الأمة ؛ لذا نجد أن بعض الآيات كانت تتحدث أن هناك وعود ربانية تحدث عنها رسل الله لكن حصول ليس مرتبط بزمان النبي بل بعده
يقول الله سبحانه وتعالى : ( فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ ۚ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ (77) [ غافر ] ( فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُم مُّنتَقِمُونَ (41) أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِم مُّقْتَدِرُونَ (42) الزخرف ( إِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلَىٰ مَا يَفْعَلُونَ (46) [ يونس ]
فهذه الآيات تتكلم عن وعود ستتجاوز تجربة الأمة في عهد النبي وتخترق المستقبل خاصة على تخوم العالمية الثانية للإسلام .
لكن ما هي الوعود التي وعد بها النبي وتوفاه الله قبل أن تحدث ، المجال هنا للتفصيل فيها لكن أذكر على سبيل المثال أحد الوعود كما بينه القرآن الكريم : (أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا (92) [ الإسراء ]
فهنا الآية صريحة في أن النبي كان أحد أشكال وعيده للكافرين هو سقوط نيزك على الأرض .. لذا قال له الكفار على سبيل التهكم أو تسقط السماء كما زعمت .. إذا النبي حصل منه هذا الوعيد ، لكنه وعيد اخترق الزمان على تخوم العالمية الثانية ، وقد توفاه وما زال الوعيد قائماً كما بينت الآيات الأخرى
وهذا الأسلوب العجيب الذي تميز به القرآن الكريم يكشف لنا سر بدايته بكلمة اقرأ ضمن منهجين
المنهج الأول يخص مرحلة الرسول الأعظم محمد عليه السلام في العالمية الأولى للإسلام ، وهي القراءة من دائرة الوحي باسم الله ( اقرأ باسم ربك ) هذه القراءة الأولى عبر الوحي ودائرة وكانت من حظ النبي محمد عليه السلام .
والقراءة الثانية : هي من حظ العالمية الثانية للإسلام وهي في قوله تعالى ( اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم ) فهنا قراءة بمعية الله لا باسمه كالقراءة الأولى ( فالواو بعد كلمة اقرأ هي للمعية ) ، وهذه القراءة تتألق في ذات المرحلة التي قال عنها النبي عليه السلام في علامات الساعة ( ويفشو القلم ) فهي القراءة بالمعية من خلال وسيط حضاري ( القلم ) وتكون من حظ ورثة النبي محمد عليه السلام من العلماء الربانيين في آخر الزمان .. وسينال الإمام المهدي أرقى صورة لهذه القراءة ...
و في هذه المرحلة تتحقق الوعود الكثيرة التي جاءت في القرآن الكريم على لسان صاحب القراءة الأولى ( الرسول الأكرم ) لينال بها النذارة للبشرية إلى قيام الساعة ... وهذا سر من القرآن الكريم قد غفل عنه البعض يكشف لنا آفاقاً كثيرة في فهم المرحلة ومعرفة الآيات التي تخصها بدقة .
وهذا الفهم استوعبته بالأدلة خلال سلسلتي عن سورة العلق والقراءتين التي تضمنتهما ، لكني هنا ذكرته مختصراً لكي أمثل عليه من خلال فهمي لسورة يوسف كيف أنها في اللحظة التي تعالج فيها قصة وقعت عبر التاريخ الغابر إلا أنها في ذات السياق عالجت ظرفاً آنيا عاشه النبي وصحابته الكرام ، وفي ذات الوقت جاءت لتعالج جانباً من تجربتنا على تخوم العالمية الثانية للإسلام .