جنود ربك (1)

أضيف بتاريخ 06/22/2024
Aysha Møhammêd


يقول الله سبحانه وتعالى : ( فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا ) [ الأحزاب ]  لو سألنا أبا سفيان قائد المشركين في غزوة الأحزاب ، ما الذي حصل معكم يا أبا سفيان ؟
 
فالإجابة ستكون : لا شيء الذي حصل هو أمر طبيعي ، نحن في بلد صحراوية وتكثر فيها العواصف والرياح ، لكن نصيبنا أن الريح جاءتنا في لحظة حساسة حرجة
 
 ومن حظ أهل يثرب أن هذه الريح كانت قوية بحيث كفأت القدور وخلعت الخيام وجعلت ضريبة البقاء شديدة وصعبة علينا ، لذا فضلنا الانسحاب .
هذا ما أتصوره من قراءة للحدث من طرف أبي سفيان ومن معه .
 
ولو أعدنا السؤال على أحد المؤمنين في الطرف الثاني من الخندق ، فسيقول : رأينا نصرة الله لنا بإرسال تلك الريح التي هيجت القوم للانسحاب والاندحار .
لكن عندما نزل القرآن الكريم جاء ليكشف جانباً آخراً للحدث لم يخضع لحواس الطرفين ، وهو أنه كان بين الريح جنود لم يرها المؤمنون ..
 
هؤلاء الجنود كانوا يتصرفون بطريقة خفية تكفل بالفعل زعزعة القوم وتهييجهم على الانسحاب ، جنود كانت تتحرك مع الرياح فتقلب القدور وتنزع الخيام ...
هذا الأمر لم يخضع للرؤية العيانية ولا للحواس ، لكنه حق نبأتنا به دائرة الغيب ... إنها تلك الجنود التي تتصرف بحكمة وإرادة سماوية في عمق الحدث .. إنهم جنود ربك .
 
ولو عدنا للوراء قليلاً في غزوة بدر ، سنجد جندي من نوع آخر تدخل في المعركة وجاء بطريقة طبيعية غير ملفتة للنظر سواء عند المؤمنين أو الكافرين ، لكن دائرة الغيب أنبأت عن أهداف ومغازي هذا الجندي قبيل حدوث المعركة .. هذا الجندي هو المطر أو ماء السماء أو الغيث ... لو سألت أي واحد قبيل المعركة عن ظاهرة المطر الخفيف الذي نزل في ساحة المعركة قبل حدوثها فإنه لن يترجم لك دلالاته كما ترجمها القرآن بطريقة مغايرة لكل أفهامنا القاصرة يقول الله سبحانه وتعالى في تهيئة ساحة المعركة : ( وَيُنَـزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ (11) [ الأنفال ]
 
المطر في عرفنا الطبيعي هو للأرض وللشرب لنا ولدوابنا ، لكن هنا في غزوة بدر كانت له أهداف خاصة : تثبيت الأقدام .. إذهاب رجز الشيطان ، تطهير المؤمنين ، ربط على القلوب ...
أربعة أهداف محورية لا تخطر ببالنا لتلك الأمطار العابرة الخفيفة التي نزلت قبيل المعركة .. إنهم جنود ربك ..
 
ممكن تقرأ أي حدث بطريقة طبيعية خلال دائرتي الحس والعقل لديك ، لكن ستجد للحدث نفسه قراءة مغايرة تماماً لطريقة قراءتك للحدث ، ولكنها ليست متناقضة لقراءتك إنما متممة لها ، وهذا هو أحد أسرار القرآن الكريم الذي طالبنا في أول سورة بقراءة الأحداث من خلال قراءتين له : قراءة من دائرة الغيب والوحي ، وقراءة من خلال الحس والعقل ...
 
يتبع ...