في المقالين السابقين أشرت إلى أن كثيراً من الأمور الطبيعية قد تكون رسائل ربانية وتحتاج منا قراءة أخرى لفهمها ... فالرسول وصحابته الكرام كانوا يتعاملون مع هذه الأحداث بنوع من الجدية بل والحساسية مما يشير إلى أن فهمهم لها ليس كفهمنا الحالي لها ..
فهي أمة كانت حية بأعلى الدرجات بحيث كانت تتعاطى مع كل حدث أن يحمل في طياته تحذيراً ما ...
* على سبيل المثال :
عن صفية (زوج ابن عمر) قالت : ( تزلزلت المدينة على عهد عمر-رضي الله عنه - وابن عمر-رضي الله عنهما- قائم لا يشعر حتى اصطفقت السرر فلما أصبح عمر رضى الله عنه قال يا أيها الناس ما أسرع ما أحدثتم ؟ - وفي لفظ- لئن عادت لأخرجن من بين أظهركم.
[ هذا الأثر أخرجه ابن أبي شيبة والبيهقي وغيرهما بإسناد كله ثقات ]
هنا عمر بن الخطاب وهو خليفة لم يتعاطَ مع هذه الهزة الأرضية كأمر عادي ، بل مباشرة اعتبرها موطناً للموعظة وإشارة للاعتبار ، بالرغم من أن الهزة لم يترتب عليها أي أضرار أو خسائر ، لكن القلوب الحية كانت تتعامل بجدية مع كل حدث ..
بل وصل الأمر بعمر بن الخطاب إلى اعتبار أن هذه الزلزلة ترشد إلى تغيير وابتداع في أهل المدينة ، وقرر أن يترك المدينة ويخرج من بين ظهرانيهم إذا تكررت الهزة .
في نظر الكثيرين وحسب طريقة تفكيرنا المعاصرة أو تفكير الأكثرية المثقفة لدينا أن عمر بن الخطاب رضي الله عنها زودها شوية والأمر ليس بهذا التهويل منه بربطه بالمعاصي أو غير ذلك لأن الهزة ظاهرة طبيعة .. لا عمر ببالغ ويتعامل مع الأمر بحساسية مفرطة .
يا أخي هذا رأيك ، أما رأيي أنا فأقول : هذه أمة حية أجادت القراءة عن الله في فهمها لكل حدث صغير وكبير حولها ، وما حصل من عمر رضي الله عنه يرشد إلى عظيم فقهه لأمور قست قلوبنا وتحجرت عن فهمها على أصولها
ويكفيني في عمر ما أخرجه الطبراني في المعجم الكبير بإسناده عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : إني لأحسب عمر قد رفع معه يوم مات تسعة أعشار العلم
رجل بموته مات تسعة أعشار العلم بحسب ظن ابن مسعود هو منارة في العلم وتصرفاته قمة العقلانية والوعي في الفهم عن الله ..
ولو تركنا عمر رضي الله عنه وذهبنا لمن هو أعظم منه وهو الرسول الأعظم فماذا نجد .. روى الإمام البخاري في صحيحه من حديث عائشة رضي الله عنها قالت:
( كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأى مخيلة في السماء، أقبل وأدبر، ودخل وخرج، وتغير وجهه، فإذا أمطرت السماء سُرِّي عنه، فعرَّفَتْه عائشة ذلك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ما أدري، لعله كما قال قوم: ﴿ فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ ﴾ [الأحقاف: 24] الآيةَ).
هذه هي الأمة الحية التي تفهم عن الله رسائله ، فإذا كان هبة ريح تفعل هكذا برسول الله ، وهزة بسيطة لم يترتب عليها أضرار يترتب عليها رد فعل قوي من عمر بن الخطاب ، فلما يستعظم البعض منا محاولة فهم أمور أعظم من ذلك ، تقع هنا أو هناك ..